أؤمنُ أن الرئيس السيسي صادقٌ ومتفاني في خدمة هذا البلد، وأؤمنُ أنه ليس أبلهاً أو ساذجاً، بل ذكياً يعرف جيداً ما يفعله، ولكن وفق قناعاتٍ بائسة، وأوهام وضلالاتٍ لن تؤدي بنا إلى أي تطورٍ قريب، بل على العكس ستزيد الفجوة بيننا وبين العالم المعاصر، وتمتد للضعف تقريباً الفترةُ الزمنية التي تحتاجها مصر للنهوض الحضاري، لأنه سيكون علينا التخلص أولاً من الآثار الكارثية للعبث الحاصل حالياً، ثم نبدأ البناء مرة أخرى.
وأؤمنُ أيضاً أن الأجهزة الأمنية تحرصُ على مصالح البلد وتطوره بحسب فهمهم البائس والمغلوط لمعنى مصلحة الوطن، والذي يتمثلُ في الحفاظ على هيبة الحكومة، ومحاربة العمل السياسي وقمع المعارضين، لكننا رغم كل ذلك، ننطلقُ بسرعة صاروخية إلى الهاوية.
كالعادة حسن النوايا لا يبني شيئاً، لا يحل شيئاً. كل المؤشرات تقول أن الفشل هو النتيجة الحتمية لكل المحاولات التي يتم بذلها، الجنود لا زالوا يموتون، المجتمع ينقسمُ على نفسه، ثمة حالة استقطاب حادة في الإعلام، والدولة طرف فيها تعتقلُ وتُعذِّبُ وتلفق التهم وتسجن على الرأي.
الأحوال الاقتصادية كارثية ومن سئ لأسوأ، هذا واضح. وزيادة على ذلك، النقد ممنوع تماماً. أن تشتكي وتنتقد علناً هو أمرٌ من الممكن أن يعرضك للسجن والتخوين، أما إذا قررت أن تعمل بشكل جاد، وتنشر إحصائيات ودراسات حالة ونماذج فشل الإدارة المصرية ( كالمجتمع المدني مثلاً ) فأيضاً لن يتركوك في حالك، سيتم تخوينك والتحفظ على ممتلكاتك، وربما يتم سجنك احتياطياً لسنواتٍ طويلة دون محاكمة، مثل آية حجازي ومحمد حسنين.
هل من عاقل في هذا البلد؟
هل يصح أن يُعتقل إنسان لمجرد أنه يرفع صوته بالتحذير من الكارثة؟ أو يقاوم الفساد والغباء الإداري؟ أو يحاول احتواء أطفال الشوارع؟
هل يصح أن يُعتقل كل من يرفع صوته ويقول للرئيس: لن تقدر على تحقيق وعودك للأسباب التالية، هل من يفندُ ويعترض ويخلق بدائل لأجل الصالح العام، خاصة لو كان يتكلمُ بشكل بمنطقي، ومن الثابت أن أهدافه خالية من الغرض المُدِّمر والمصلحة الشخصية، أو طمعاً في الحكم؟
أوبس، ها أنا انجررت لفخ الإعلام ابن الشرموطة، فاعتقدت لوهلة أن الطمع في الحكم جريمة.
دعوني أتطهر، فليكن، حتى لو كان شخص ما طامعاً في الحكم ويريد التدليل على أن سياساتك غير ناجحة لإقناع الناخبين بعدم انتخابك في المرة القادمة؟ أليس من حقه؟
لا يصح أبداً أن نقول للمعارضة أنتم خونة وجواسيس وتقسمون وحدة الصف الوطني ( المنقسم على نفسه بالفعل )، وإذا كانوا جواسيس وخونة، فلحساب من؟
لا يوجد بلد في هذا العالم من مصلحته أن يتآمر علينا، لأننا بالفعل دولة مؤذية تتآمرُ على نفسها. مصرُ بالفعل تحاربُ نفسها، ولعل أبلغ دليل على ذلك أننا أصبحنا أضحوكة العالم بعدما ألهمت ثورة 25 يناير علماء وسياسيين بهذه الطريقة الفريدة من نوعها في التغيير، لكن يبدو أن ثمة من لا يريدُ لنا أن نتطور، وهذا بالتأكيد ليس عدواً خارجياً، بل هو عدوٌ من أنفسنا، إنه الجهل والغطرسة والفساد والمصالح الشخصية التي ترهنُ بلداً كاملاً لحساب فئات معدودة يريدون الحفاظ على مكاسبهم من فوضى الوطن.
فعلى الرغم من أننا أقصينا الإخوان لأنهم جماعة ظلامية وإرهابية تريد لمصر التأخر والتخلف، إلا أننا قمنا بحبس إسلام بحيري وفاطمة ناعوت وأحمد ناجي وعلاء عبد الفتاح وكثير من الصحفيين والمؤلفين والناشرين، نحن لسنا بحاجة حقاً للمزايدة على الإخوان أو للإجابة على السؤال: لماذا أطحنا بالإخوان من البداية؟ نحن سلفيون والحمد لله، وهابيون وخلافنا مع الإخوان غالباً مجرد خلاف فقهي أو مذهبي لا أكثر.
لكن هل من المعقول في دولة مدنية معاصرة، أو كما تدعي، أن يُسجن أحد في قضية ازدراء أديان بينما يُترك من يزدرون الحياة والوطن؟ هل نحن نبني دولة بالفعل أم نبني أسرة متزمتة ومحافظة وتفعل كما يقول بابا الرئيس؟ ثم نلوم على المواطنين أنهم متخلفون عقلياً وتعساء نفسياً، ويتحولون من مواطنين يُرجى منهم خدمة الوطن إلى مواطنين غير مُنتجين، وعبء وعالة على الوطن، يقفون في وجه كل تطور وكل تحسين.
ياسادة نحن نعيش في قاع العالم من ناحية التقدم وجودة الحياة والشفافية والسعادة والتعليم وكل شئ.
خلاصة الكلام، من الممكن جداً أن يكون السيسي صادقاً في رغبته لفعل شئ – هو بالفعل يؤمن أنه محاط بتدبير إلهي لإنقاذ مصر – لكن الواقع والمؤشرات كلها تقول أنه بالفعل لا يملك أي قدرة إدارية، ولا كفاءة عقلية ولا ذكاء إدارياً لتنفيذ أي قفزات نحو المستقبل، فضلاً عن أن تكون خطواتٍ عرجاء، نحن حتماً نرجعُ إلى الخلف، ومن سئ إلى أسوأ. هذه الاستراتيجية – إن صح أن نُطلق عليها هذا الوصف – التي يسميها محاربة الإرهاب، والتنمية، والبناء في الصحراء، كل هذه مجرد أوهام وضلالات بعيدة عما تحتاجه البلاد، بل الأسوأ، أنها استراتيجية تساهم في تعبيد طريقنا إلى الهاوية،
يكفينا أنه قد أحاط نفسه بمجموعة من اللواءات والقيادات العسكرية عديمة الكفاءة الإدارية ووضعهم جميعاً في مناصب مدينة حساسة، وهي مناصب أكثر ما تحتاجُ إليه المهنية والكفاءة والطموح للتغيير والتحديث.
أصبحت المناصب التي يُفترض بها أن تدفع بالتنمية إلى الأمام، أصبحت مجرد مكافآت نهاية خدمة لمجموعة من العجائز المتقاعدين الذين يريدون أن يستريحوا في نهاية أعمارهم، وليس لديهم ما يقدمونه فعلاً، وليسوا بأي حالٍ من الأحوال مهمومين بالقضايا الاجتماعية والتنموية التي يُفترض أنهم مسؤولون عنها، أو هكذا تقول مناصبهم المدينة كمحاظفين ورؤساء هيئات حكومية وشركات عامة.
هل لدى السيسي الشجاعة الكافية للاعتراف بهذا العجز؟ أو للاستعانة بأهل الكفاءة والخبرة الفعلية الذين هرب أغلبهم خارج البلاد؟
عصام حجي مثلاً، كفاءة مصرية مهدرة، وتم تخوينه وتشويه صورته عندما وقف في وجه اللواء عبد العاطي كفتة حين أراد شفاء المصريين من الإيدز وفيرس سي عن طريق ( تصبيع الكفتة )، شخص كهذا أنا واثق تماماً أنه لو أتى إلى مصر، فإن مصيرة سيكون السجن، وأفضلُ منصبٍ سيكون فيه هو أمين مكتبة السجن ( لو كان في السجن مكتبة ).
هل ثمة من سيعترفُ بالأخطاء؟ هل لدى أحد الشجاعة ليقول نحن في طريق الهلاك ولسنا في طريق التنمية ولا سنكون ( أد الدنيا ) ولا أي شئ من هذا الهراء الفارغ؟
على الرغم من أن السيسي رئيس حنون وصادق ويتكلم بتلقائية وعفوية محببة، ويحلم معنا، نعم يحلمُ معنا، بالفعل هذه الميزة الأخيرة هي مقتلنا جميعاً ومقتل الوطن، سنعيش ونحن نحلم طويلاً، يحكمنا رئيسٌ حالم، متى سيصحو من النوم؟
غالباً في أقرب كارثة قادمة. كارثة حقيقية وفوضى لا نهاية لها.
عندها سيصحو من الحلم وهو في طريقة للقفز من السفينة التي تغرق على الشاطئ، بينما كان يحلمُ بأنها تتحركُ للأمام.
اترك تعليقاً