اليومُ الأول:
يرقدُ شخصٌ ما على وشكِ الموت. إنه لم يمت، لكنه يوشك أن يفعل. إنه ليسَ مَريضاً، إذا اعتبرنا أن بعضَ بقعٍ جلديةٍ لا تُسببُ الموتَ هذه الأيام. وهوَ أيضاً لا ينوي الانتحار، فالانتحارُ بصقةٌ في وجهِ الخالقِ، وهوَ يحترمُ خالقه جداً، أيضاً فهو لا يركبُ سيارةً تطيرُ بسرعةِ مائتي كيلومتر في الساعة على طريقٍ يؤدي إلى مُنحدر، ولا يقفُ على بنايةٍ يُحتملُ أن تسقطَ هذهِ اللحظة، وهوَ ليسَ في بلدٍ يمتلئُ بالإرهابين، وليس على قائمةِ المطلوبين للخطفِ هذهِ الأيام. لو كنتم تتخيلون ما أعني، فهو في أمانٍ تامٍ هذه اللحظة، لكنه مع ذلكَ على وشكِ الموت. لا أدري هل يتحكمُ في الأمرِ كما يبدو لي، أم أن قضيته الآن خارج إرادته؟
يبدو أنه قرَّرَ الانتهاء مُنذُ زمنٍ ما. أن يُقرِّرَ إنسانٌ أن يَنتهي، فذلك بالنسبةِ له أعظمُ شئٍ يمكن أن يفعله شخصٌ لم يخترْ قدرَ ابتدائه. لكنه معَ ذلكَ لا يريدُ أن يَنتحر، إنه فقط على وشكِ الموت.
ألحَّ في ذهنهِ سؤالٌ عن قدراتِ الإنسان. تَذكَّرَ تلك القرية في مجاهيلِ استراليا، حيثُ يُنفذُ الجاني حُكمَ الإعدامِ بنفسهِ عن طريقِ تدميرِ أعضائهِ الداخلية بقوةِ التركيز. إذن هناكَ من يموت بمجرد الرغبة في ذلك. اطمئن كثيراً وشعرَ بالأمل.
تناولَ ورقةً بيضاءَ، وقلماً رَصاصاً، ثم كتبَ بخطٍ أنيق: الحياةُ الآن = صفر.
***
اليومُ الثاني:
في المطبخ، أعدَّ بعض الشاي، لم يكن ثمة نعناع طازج، لذلك اضطر لاستخدامِ بعض النعناع المجفف، لا بأس، فهذا يُرضيه أيضاً. رغبَ أن يُشعلَ سيجارةً، لكنه تذكَّرَ أنه لا يُدخن.
تناول الورقةَ والقلم مرةً أخرى، وكتب: الحياةُ الآن احتمالاتٌ متساوية.
***
اليومُ الثالث:
فتحَ نافذة الغرفة، تنفس رائحةَ الفجرِ وهو يمتلئ بموسيقى هانز زيمر التي تزلزلُ الصمت من حوله، حرَّكَ يده كمايسترو منتشي، غرقَ عميقاً في ضبابٍ حجبَ عنه الرؤية. تلفتَ حوله، وإذا به يرى الصوت، والروح، والملائكة وهي تصعدُ إلى السماء، كان يرى حتى نسائم الفجر التي تتسللُ من نافذةِ الغرفةِ إلى قلبه. أخيراً ارتوت حواسه بعد جفافٍ دامَ طويلاً مُنذُ موته الأخير.
بحث عن الورقةِ سريعاً، وكتبَ عليها: الحياةُ الآن حقيقةٌ بخلافِ العادة.
اترك تعليقاً