الإلحاد أو غياب الإله هو الأصل.
قبل نشأة الأديان، لم يكن ثمة آلهة ولا إيمان، والإنسان اخترع الآلهة وبالتبعية الأديان – قبل أزمنة بعيدة – في مسار تفاعله مع قوى الطبيعة واستكشافها، فعبد الشمس والقمر والرياح والرعد والبركان حتى تم اختراع الغيب والآلهة المحتجبة التي نشعر بأثر أفعالها ولا نراها.
لاحقا وعندما أصبح بعض البشر في مقام الآلهة، انطلقت نزعة الإله الواحد التي رمزت لقائد ما ملهم ومقدس، فلا يمكن لقائد أو ملك يحكم نصف الكرة الأرضية ألا يكون إلهاً، ونشأت الأديان التوحيدية ذات الإله الواحد المحتجب، أسوة بالقائد الذي لا يمكن أن يلتقي كل الناس وعليك أن تسمع وتطيع وتقدس وتنبهر وأنت على بُعد مئات الأميال، وتطورت الفكرة وكانت عند نشأتها تشكل 1% فقط من مجمل فكرة الدين والآلهة، لكن وبسبب الطبيعة التوحيدية/الواحدية/الحصرية لتلك الفكرة، فقد نشأ اليقين المطلق بقداستها بمساعدة من الطبيعة العاطفية الساذجة للإنسان، وبالتالي شقت طريقها للسيطرة والتحكم بالحروب والدماء حتى وصلنا إلى هذا المسار الخرائي الذي نعيشه.
مؤخرًا، وأعني في آخر ثلاثة قرون، تخلصت أوروبا وتابعتها أمريكا من سيطرة تلك الفكرة على الفضاء العام، والبشرية تتحول تدريجيا إلى نسخة أقرب للطبيعة الأولى، حيث أن التساؤلات الوجودية للبشر تبقى مجرد تساؤلات وجودية، ولا داعي لاختلاق منظومة إجابات نسميها دينًا ونقول أنها وحي من الغيب/الإله المحتجب.
وساهم في ذلك التحول نهاية عصر الامبراطوريات الكبرى، وتطور العلم واستكشاف الفضاء، واكتشاف البشرية أنماطا جديدة للعيش والتعايش، حتى على مستوى الحروب وصراع المصالح وأدوات الضغط، لم يعد التدمير والقتل هو الأداة الأولى الحاسمة.
نحن الآن في هذا المسار، نحاول الخروج من عنق زجاجة ضيق، ويبحث الكل عن أساليب للعيش والاستمتاع بالحياة، لكن لا تزالت الأديان التوحيدية تصارع تلك الرؤية بوصفها محواً كاملًا لوجودها.
من بين الأديان التوحيدية الثلاثة الكبرى، لا تزال اليهودية والإسلام هما الديانتان المتصارعتان، وضمن صراعهم الكثير من التعقيد الديني والسياسي.
في الصورة: طفلان فلسطينيان يزحفان يرتقيان درجات المسجد الأقصى.
لا نعلم هل يمكن أن يعيشا في سلام عندما يكبران، أم تقتلهما سلطات الاحتلال الغاشم، أو عصابات يهودية متطرفة تخليهم قسرًا من بيوتهم، أم تقتلهم حماس إعدامًا برصاصة في الرأس لإعلانهما الإلحاد أو صداقة شباب يهود، أو ربما قبضوا عليهم يمارسون الجنس خارج إطار الزواج، وهو ما يعتبرونه فعلًا محرمًا بحكم الإله المحتجب.
هل سيكون جيلنا الحالي أم الجيل القادم أم بعد خمسة أجيال من القتل والدمار، من يقررون وقف هذا الصراع الأهبل بالتخلي عن منطلقات ودوافع الصراع الأساسية؟