غونتبرغ وحُلمُ الكِتَابِ العَرَبِي

عن مشروع غونتبرغ، والحلمُ البعيد لانتفاضةِ الكتاب العربي.

من أجملِ ما يُمكنُ أن يتمتعَ به الإنسان، حقُّ الحصولِ على المعرفة. إنَّ لذلكَ مُتعةٌ لا تعدلها متعةٌ أخرى، بالنسبةِ لي على الأقل. إنَّ أولئكَ الأشخاص الذينَ يعملونَ على مشاريعَ لنشرِ المعرفةِ، وتسهيلِ الحصولِ عليها، لَهُم أشخاصٌ جديرونَ بكلِّ احترامٍ وتقدير.

اليوم قادتني بعضُ الروابطِ إلى مشروع غونتبرغ للكتاب، والذي بدأه مايكل هارت عامَ 1971. كنتُ قرأتُ بعضَ المقتطفات فيما سبق عن هذا المشروع، إلا أنَّ كونه بالإنجليزية لم يُثر اهتماماً كبيراً لديَّ وقتها، ربما بدافع السخط، أو ربما طبيعتي في ذلك الوقت.

أما اليوم، فقد تصفحتُ الموقعَ بنوعٍ من الرضا المُحببِ لي، أحبُّ أن أكونَ في هذه الحالةِ من الشعور الإنساني. أشعرُ بهذا الشعور عندَ كلِّ مرةٍ أقفُ فيها على معنىً لطيف، أو بادرةٍ طيبة، أو قدرةٍ باهرةٍ تثيرُ الإعجاب. آخر مرة حدث ذلك عندما شاهدتُ برنامج مشاريع عملاقة على قناة الجزيرة. كانَ الأمرُ مُذهلاً وباعثاً على العمل. ظللتُ بخيرٍ لمدةِ ثلاثةِ أيام.

خلال بحثي في صفحات الموقع، وجدتُ طُرقاً لدعمِ المشروع، من بينها وضعُ لافتةٍ تُشيرُ إليه في موقعكَ الشخصي. لذا فقد دفعني امتناني العميق للاختيار من بينِ عدة لافتات كانت مُتاحة، بأكوادها. واخترتُ هذه اللافتة المتحركة:

لافتة تُشيد بمشروع غونتبرغ لنشر وتوزيع الكتاب

سروري بالمشروع، لم يُنغصه سوى عودتي لواقعِ الكتابِ العربي. لكنَ الأملَ في إنشاءِ مشروعٍ مماثل، أو حتى النقل والترجمة عن هذا المشروع، أملٌ كبير. ويستحقُّ أن يبذلَ الإنسانُ جهداً في سبيلِ تحقيقه. ربما يكونُ موقعُ الوراق هوَ أولُ محاولةٍ عربيةٍ جادة لنشرِ الكتاب العربي إلكترونياً، وتوفيره دونَ مقابلٍ تقريباً. إلا أن الاهتمامَ بالتراثِ لا يجذبُ سوى الباحثينَ والقارئينَ في مجالاتٍ مُحددة، كما أن إمكانية الحصول على نسخٍ من الكتب غير مُتاح، وهذا لا يخدمُ قضية انتشار الكتاب.

ربما يكونُ الأمر راجع لأزمةِ النشرِ في الوطنِ العربي، فاتحادُ الناشرينَ العرب لا يُقدمُ فعلياً أية مجهودات لدعم انتشار الكتاب العربي، ولا يسعى لعقدِ الاتفاقات والاجتماعات. لو كانَ اتحاداً سياسياً لوجدته يُسارعُ إلى اجتماعٍ كلَّ يومٍ، من أجلِ قضايا لا تُحلُّ في النهاية.

الطمع والرغبة في الربح هما أهم باعثينِ لكي يكونَ الإنسانُ ناشراً عربياً. ولا أدري لماذا اختفى الناشرونَ الحريصونَ على نشرِ الكتابِ بغضِّ النظرِ عن الاستفادةِ المادية من ورائه. أين اختفى أولئكَ القانعونَ من النشرِ بشرفِ النشرِ؟ وأينَ اختفى أولئكَ المخلصونَ للكتابِ؟ ولماذا لا تُسارعُ الحكومات العربية إلى تبني قضايا مهمة كنشرِ المعرفةِ بينَ شعوبها، أم أنَّ جُلُّ ما يستطيعـُه كفاحُـهم من أجلِ أوطانهم أن يرفعوا الجمارك على الورق الخام المستخدم في الطباعة، أو تلك الكتب الأخرى المطبوعة في الخارج، ليوفروا أسباباً مناسبةً للناشرينَ من أجلِ استنزاف جيب القارئ العربي.

الحديثُ ذو شجون، ويجلبُ المزاجَ السئ. لذا لنعد إلى مشروع غونتبرغ.

من مميزات المشروع أن الكتبَ المطروحةَ فيه تُعتبرُ حقاً عاماً للجميع، أي يُمكنُ نشرها أو إعادةُ استغلالها بأيِّ طريقةٍ كانت، ما عدا بعض الكتب التي اقتصرَ مؤلفوها على منحِ الرخصةِ للمشروع فحسب.

يُمكنُ استغلال المشروع في عدةِ أمور، منها ما هوَ بحثي، ومنها ثقافي ومعرفي. ولمن يريدُ قراءة المزيد عن هذا المشروع يُمكنه زيارة الموقع، أو قراءة ما كتبه سردال عن ذاتِ الموضوع.


Comments

4 ردود على “غونتبرغ وحُلمُ الكِتَابِ العَرَبِي”

  1. مشروع تاه بيني وبين علاء، ومحمد سمير: أن نسحب كتب الوراق–التي لا يمكن تصفحها إلا عالخط، صفحة صفحة–وننسقها ونضعها في مشروع جوتنبرج.

    أغلب الكتب المشاع بالعربية من التراث، وربما حتى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. على كل، التراث كم ضخم ورقمنته في صيغة معيارية عمل مطلوب.

  2. يؤسفني هذا التيه، وسأرغب بالتأكيد في معاودة التوجه وفق بوصلةٍ مُحددة. يُمكنني أن أشارككم العمل يا عمرو، ويمكن أيضاً استنفار جهود أخرى ممن لديهم اهتمام بهكذا أمور، وبهذا يمكن إنجاز الكثير.

    أنا الآن في إجازةٍ من الجامعة، وأعتقدُ أن ثمة ما يكفي من الوقت لعمل الكثير لو استغل الشباب هذا الصيف.

    شكرا يا رجل.

  3. الصورة الرمزية لـ عباس المزيريب
    عباس المزيريب

    جهد تُشكر عليه اخي العزيز في تنوير بعض العقول
    تساؤل بسيط وربما في غير محله !!
    أنت تتكلم بحرقة عن واقع الكتاب العربي بموضوع جميل للغاية والردود 18 رد !!
    16 رد بلغة غير تلك التي تتكلم عنها !
    علامة تعجب لابد من تسجيلها

  4. السيد عباس المزيريب. هذه الردود المتتالية باللغة الإنجليزية عبارة عن تعليقات دعائية لم يكن لي يدٌ في وضعها، بل تسللت عناكب الشبكةِ إلى الهاوية لتنسج خيوطها في غفلةٍ مني أنا الحارس، إنها مسألة تقنية بحتة، لذا أرجو أن تعذرني، وسيتم معالجة الأمر وحذف الإعلانات المزعجة، ومحاولة تأمين عدم تسللها مجدداً.

    شكرا لمرورك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *