على بركاتِ التدوين، وباسم المدونين المصريين، تمَّ الإعدادُ لهذا الحفل والإعلان عنه في أواخر مايو، وتم تنفيذه يومَ الأربعاء الماضي رغمَ اعتراضِ البعضِ، وتحمُّسِ البعضِ الآخر. ورغم أن المدونينَ ليسوا هيئةً حزبيةً مملوكة لأمِّ يحيى، إلا أنَّ الحركة بركة أيضاً.
معَ تزايدِ المراهنةِ على قوى المجتمع المدني في تخليص المعتقلين، وعدم جدوى آلية التظاهر في الوقتِ الحالي، فنحن أمامَ نظامٍ مصاب بالفوبيا النفسية من كلمة تظاهر، يبدو واضحاً أنه مهما حدث، ستكون الجهود المبذولة ذات معنى إذا ما أفرجَ عن المعتقلينَ بخسائر مؤكدةٍ، ولكن دونَ تُهمٍ من الممكنِ أن تؤدي إلى سجنهم طويلاً.
وصلتُ الحفلَ متأخراً قليلاً عن موعدِ البدء حيثُ فاتني لقاءُ زيتونة شرقية لأنها غادرت مبكراً. وقفتُ قليلاً قبل أن ألحظَ وجوهاً أعرفها. بمجردِ انتهاءِ العرض المسرحي، تحركتُ للانتقالِ من مكاني في مؤخرة القاعة، سلَّمتُ على مالك، ثم استقرَّ بي الجلوس بجانب ألِف بعد أن تبادلنا السلامَ والتحية.
الصوتُ المنسابُ من جنباتِ القاعةِ كان عادلاً. لم يزعم أنه رسولُ الأملِ، ولم يُبالغ في التشاؤمِ أيضاً. لقد كانَ يحكي عبر الأغاني والفقرات حكايةً متصلة الأسباب بشئٍ يحدثُ في مصرَ الآن، ومنذ سنين مضت أيضاً. من البدهي أن الحكاية لم تنتهِ بتوقفِ الصوت، ولن تتوقفَ أبداً.
تهيأَ لي أن الحفلَ قد انتهى، مع مغادرة نصف الموجودين تقريباً إثر انتهاء العرض المسرحي لفرقة حالة، ولكن شخصاً ما أمسك المايك وأخبر الجميع بأن فعاليات الحفل لا تزال مستمرة. رغمَ ذلك لم يرجع الكثير لأماكنهم، وأصبحت القاعة أكثر هدوءً، مما جعلني أشاهد زنجي وهو يمرُّ بمحاذاةِ الجلوس، سلمتُ عليه، ثم توجهت إلى الأمام لأسلمَ على غادة.
الأغاني كانت مميزة، والفرق التي تولت الغناء كانت مميزة أيضاً. صوتُ غادة لم أكن أعرفه، لكنني تفاجأتُ حقاً بقوته وتمكنه عندما تلت علينا حزنَ شجر الليمون. كانت غادة ضمن فرقة الجميزة التي أدت مجموعة من الأغاني الرائعة.
الأغنية التي أدتها فرقة ضي ، والتي كانت دوائرها تستحكم مع كل مقطع حتى يضيق الخناق، وينتهي الأمر إلى الدولاب، ثم إلى منع التنفس نهائياً، هذه الأغنية أذكرتني بمقطوعةٍ لخليل مطران اسمها: مقاطعة.قفزت في رأسي فجأة ، ورغبت بأن أقفز على المسرح وألقيها تعليقاً على الأغنية. تقول الأبيات:
شَرِّدوا أخيارها بحراً وبَرَّا … واقتلوا أحرَراها حُـراً فحُـرَّا
إنما الصالحُ يبقى صالحاً آخر الدهرِ، ويبقى الشـرُّ شـرَّا
كَسِّروا الأقلامَ، هل تكسيرُها، يمنعُ الأيدي أن تنفشَ الصخرَا؟
قطِّعوا الأيدي، هل تقطِيعُها… يمنعُ الأعينَ أن تنظرَ شزرَا؟
أطفئوا الأعينَ، هل إطفاؤها.. يمنعُ الأنفاسَ أن تُصعدَ زَفرَا؟
أخمدوا الأنفاسَ، هذا جهدكم، وبه منجاتنا منكم، فشكرَا
في نهاية الحفل، قابلتُ لأول مرة، عمرو عزت، تحدثنا قليلاً، كان بودي دعوة الجميع لجلسة على مقهى أو للتسكع في الأنحاء، إلا أن مالك كان يستعجلُ ألف للحاقِ بموعدٍ ما.
صافحت الأصدقاء، وانطلقت مستغرقاً ومتوجهاً إلى لامكان، رغم أنني أخبرتهم – صادقاً- أن لدي امتحان في اليوم التالي.
اترك تعليقاً