المتهافتون على غادة السمان

هذا دفاعي عن امرأة لا أعرفها شخصياً، لكنها أمتعتني كثيراً بكتاباتها في المرحلة المتوسطة وعشتُ معها أياماً لا تُنسى.

فور نشر غادة السمان لرسائل أنسي الحاج إليها، انحصرت ردات الفعل في أسلوبين يجمعان طيفاً واسعاً من أمراض النخب المثقفة في الوطن العربي.
كانت ردة الفعل الأولى – وهي أنثوية في أغلبها – لست وحدك حبيبها، ما أكثر رجالك ياغادة، أين قدسية الحب ياغادة، يا للتفاهة، أوه هذه خيانة.. إلخ.. وكثير من ردات الفعل هذه أتت من نساء، لكنني لم أر أي امرأة وصفتها بالقحبة أو العاهرة.
أما ردة الفعل الثانية – وهي ذكورية في أغلبها – فغلب عليها طابع التحقير والامتهان لغادة كأنثى، امتهان جسدها وشهوتها الجنسية وإظهارها بمظهر الممحونة التي لا تصبر وتريد أن يتم نيكها من كل الأدباء والشعراء، ويا لخسارة حبهم ومشاعرهم المرهفة. وأغلب الظن أن العديد من التافهين رجالاً ونساءً يعتقدون بأنها كانت تعاشر أدباء عصرها لكي يكتبوا إليها رسائل سوف تنشرها لاحقاً لفضحهم.
كثير من الشعراء والكتاب الذين يعيشون حالة الجمال والحب، لم يُدركوا أن الجدل حول هذا الأمر هو خلاف تافه وغير جوهري ولا يمس القيمة الأدبية لغادة السمان ولا يُعد تشهيراً أو انتقاصاً من أنسي الحاج، كما حدث أيضاً في السابق مع غسان كنفاني.
تفضلوا هذا أحدهم يهجوها ويحقر منها:

https://www.facebook.com/samy.saad.351/posts/1416269765101136

ماذا نفهم من هجاء غادة السمان بوصفها جسداً مركوباً وتحقيرها بالامتطاء، وكأن جسدها لم يكن سوى للاستخدام العابر من كثيرين؟ في بضعة أسطر تم محو تاريخها الأدبي وكفاحها من أجل المعرفة، وتم اختزالها في جسد أنثوي يتم امتطاؤه على سبيل التحقير والإهانة، يا للتخلف.
المشكلة ليست مشكلة الجنس، الجنس جميل، وامتطاء الأجساد الجميلة ذات العقول الجميلة والنزعات المتمردة، هو أمرٌ ممتع للغاية رجلاً كنت أو امرأة، ولا أظن أن أشباه المثقفين العرب ذوي العقد النفسية يقدرون على مثل هذه العلاقات النافرة والمتمردة حتى على ذاتها، لكن أن يتم استخدام ذلك على سبيل الهجاء والتحقير من غادة بجعل جسدها مشاعاً للامتطاء، بجعلها موضوعاً للركوب الجنسي، وجميعنا يعرف ماذا يعني ذلك في الثقافة العربية المنحطة التي تتباهي بعذرية النساء وكبتهم الجنسي، مقابل ادعاء الفضيلة الأخلاقية من الرجال حتى لو كانوا من أفحش الناس.
يوحي لي الأسلوب أنه يريد الانتقام لشئ ما في نفسه، ربما عجزه عن فتاةٍ جميلة مثلاً، ربما كان يحب غادة السمان ولم يستطع امتطاءها.
ما أنا أكيدٌ منه، أن أنسي الحاج لو كان بيننا اليوم، وتفاجأ برسائله منشورة فلن يكون في مثل قباحة وانحطاط كثير من شخصيات الوسط الثقافي والأدبي في الشرق الأوسط.

ألي أرواح غسان وأنسي ( رجال أحبوا بصدق ، مالايستحق الحب )

كل كائن يستحق الحب، حتى القطط والكلاب، وتراب البيت وجدرانه، وليس لطيفاً التحقير بـ (ما ) لامرأة يعرفها العالم، هي ليست مجرمة حرب، لكنها حتماً مجرمة حب، فذلك ما صنعَ منها فيما يبدو تلك الأنثى المشتهاة، والأديبة العالمية التي تُرجمت كتبها حول العالم بأكثر من لغة.

قيل أنها حسناء

قيل؟ فعلاً؟ وهل تحتاج الشمس لدليل؟
من المؤكد أنه لا يُمكنك إقناع أحدٍ بوجود الشمس، فحتى وإن كان الجمالُ نسبياً، إلا أن غادة يمكن أن يُجمع أكثر من 90% من هذا العالم أنها جميلة. مفهوم أن سخريتك من ذلك إنما هو في معرض التهوين والهجاء.

فكل من أمتطي ظهرها ، أشاد بنعومه السرج ، حتي أذ ترجل الفارس أفاضت المهر في سرد المزايا ، ونبش العيوب …

أكثر ما يُزعجني هو أن يأتي الفعل الشائن ممن لا نتوقع منهم ذلك، من الأشخاص الأجمل. حقاً؟ هل هذا ما قدرت عليه؟ التحقير بالامتطاء والجنس وأنت يفترضُ بك أنك من أهل الحب والجنس والمشاعر النافرة. لن أخوض في تفسير الدوافع النفسية التي ربما تكون خلف هذا التصرف.

وقيل في كتاب الركوب : بعض المهار صفيقه ، لاتعرف مالخجل ? تجلو غبار غرتها من ضياء العابرين كصبح فريد كما أوصي الهلالي سلامه ” في الخيل ، أعرف حصانك “

أخيراً،
ليس الامتطاءُ – كفعلٍ مُجرد – هو موضوع الفروسية، يعرفُ ذلك كلُّ فارس. وأولئك الذين يُعدون الخيل مجرد أجسام مفتولة العضلات، فاتنة القوام، لا يُساوون أكثر من ركلةٍ من هذا الجسد القوي، ولهم أن يتشهوا ويتمنوا ويحلموا ويهيموا ولن ينالوا من الفروسية سوى شرف التحدث عنها.


Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *