عندَ كلِّ مرةٍ أتناولُ فيها حبة دواء، يُصيبني هاجسٌ بأنَّ الحبةَ ستخطئُ طريقها إلى حلقي، وتنحشرُ بدلاً من ذلكَ في القصبةِ الهوائية، أو تستقرُّ في تجاويفِ الرئة، فأختنقُ من الفكرةِ، وأترددُ كثيراً قبل تناولِ أي حبوبٍ أو أقراص.
كحلمٍ يمتلئُ بالتهاويمِ، كانت ليلتي بالأمسِ. غرقتُ في عرقٍ يُهادنُ تعبي، تخليتُ عن أحلامِ عشرينَ سنة، مُقابلَ أن أستفيقَ للحظات.
لم يكذبِ الغثيانُ هذه المرة، ولم يكن بسببِ فكرةٍ، كانَ حقيقياً شعرتُ به مثلَ برودةِ ثلجٍ على جبينٍ في وقتِ الظهيرة، إثرَ إعياءٍ أصابني بسببِ عصيرٍ لم تتقبله معدتي جيداً، وألجأني إلى النومِ الاضطراري في سيارةِ نيفين، مُفوِّتاً بذلكَ حفلةً موسيقيةً كان يُحيها نصير شمة.
العصير كان مُسمماً بالميكروب. واستلزمَ نوعاً مُخففاً من غسيل وتطهير المعدة عن طريق تناول ستة أقراص دفعةً واحدة.
الغثيانُ عندما يراودكَ وأنتَ على وشكِ الصعود، يُصبحُ بغيضاً وقاسياً بلا هُدنةٍ أو قرار، ولا يُشعرُ بالضعف، بل بالحنق.
كانَ إدراكي العقلي ضبابياً، لذا فقد وعيتُ كلمات آشور عن طريقِ حواسٍ أخرى غير العقل، كانَ لديَّ مع ذلكَ متسعٌ من البصيرةِ للمزاح، والسخريةِ من ألمي بلهجةِ المزيفِ للأمور، حتى لا يشعرَ الآخرونَ كم هو سحيقٌ داخلي، وكم هوَ فارغٌ بسببِ التعب. كرهتُ ذلك، وتمنيتُ لو أسقط في غيبوبةٍ بدلاً من هذا التأرجح البغيض بين الوعي واللاوعي، بين الحياةِ والموت.
في حالةِ الغثيانِ، أصبحُ مُهدداً بالانمحاء، قد تُسعفني فكرةٌ كفكرةِ الانتحارِ من أجلِ ألا أحسَّ بذلك الشعور بالعجز، والاحتياج الْمُلح إلى الموت.
أخطرُ ما قد يحتاجُ إليه إنسانٌ، هوَ الموت. إنها تلكَ اللحظة التي تُدركُ جيداً أن ما تعانيه يفوقُ قدرتكَ على الاحتمال، فتتمنى الموتَ فقط كي لا تسقطَ بدونِ سببٍ وجيه، كي لا تتمددَ على عدةِ كراسي في قاعةِ الحكمةِ، أمامَ جمهورٍ يترقبُ موسيقى ولا وقتَ لديه للقلقِ عليكَ، بينما تتلوى من الألم، ويمنعكَ الدوارُ من الصراخ.
أذكرُ في محاولتي الأخيرة للمقاومة من أجلِ البقاء المتماسك، أنني ابتسمتُ في داخلي من أجلِ عطرِ الأنثى التي مرت أمامنا، وحديثي مع رفيقِ يومي عما إذا كان العطرُ قد امتزجَ بجسدها وأصبحَ رائحةً لها، وإجابته التي تضمنت أن العطر لا يمتزجُ بالأنثى إلا إذا كانت جميلة.
وهنا قدرتُ أن الرائحةَ كانت لها، لا للعطر، لأن جمالها كان بادياً لي من وجهةِ نظرٍ تقاومُ الإعياء.
اترك تعليقاً