عزيزي الله، تحيةً أرضيةً وبعد،
هذه دردشةٌ عادية بيني وبينك، لكني سأبوح لك هذه المرة بكلام مهم، لذا أرجو أن تُعِيرَني سبحانك إصغاءك وانتباهك الكامل. شكراً لك.
أعلمُ أنك لا تعرفني، فلا يسعكَ معرفتي وأنت لا شئ أو لا أحد، وأنا إنسانٌ لديه من الخيال الجامح ما يكفي لمحاورة فكرة وهمية، وتَمَثُّلِها وتقمُّصِها، ولأجل هذا الخيال تحديداً، توصلتُ إلى من خلقك، فأنت حتى وإن كنت فكرةً وهمية لكنها ليست كأي فكرة، بل أعظمُ وأقدمُ فكرةٍ حققت انتشاراً ورواجاً تسويقياً – سأخبرك بعد قليل لماذا التسويق – وترسخت تلك الفكرةُ في أذهان مليارات حول العالم وعبر التاريخ.
وعلى الجهة المقابلة، هناك الملايين في العالم ممن يفهمون حقيقتك، وعدد لا بأس به من هؤلاء يتواجدون هنا في منطقتك المقدسة الشرق الأوسط – مهد الحكماء والأذكياء الذين اخترعوك منذ زمن بعيد – لكنهم صامتون أو ربما متشككون في النتائج التي توصلوا إليها، وها أنا أبادر وأنشر أفكاري وهواجسي، لعلها تلتقي مع أفكار وهواجس آخرين، خاصة في منطقتنا العربية البائسة التي لا زالت تعاني صراعها العنيف معك ومع أتباعك.
دعني أقول لك بكل صراحة أنكَ سببُ تخلفنا في هذه المنطقة من العالم، كما كنت سبب تخلف أوروبا من قبل، وأنت سببُ ٩٠٪ من القتل الموجود في العالم، يبدو أن علامتك التجارية لا تتنازلُ أبداً عن اللون الأحمر، ولتفنيد أسطورتك التي تم تسويقها عبر عشرات القرون، استغرقت أوروبا مثلاً قرابة قرنين، وعشرات الملايين من القتلى سالت دماؤهم في الثلج والجبال وخنادق الحرب الملوثة، وهذا كثيرٌ جداً ولا يمكن تقبله، فحتى وإن كانت فكرة وجودك تمنح الطمأنينة والأمل لملايين البشر، إلا أنها أيضاً تقتلُ وتعذبُ الملايين، الأمرُ ليس مُسلياً أبداً.
لا تنظر لي هكذا !!
أشعرُ أنك تتوجسُ مني ريبةً، ربما لأنك لا زلت تجهلني، لذا دعني أعرفك على نفسي، أنا صاحبُ شركة تعمل في مجال الإعلام، وبالتحديد في مجال الإعلام الجديد والتسويق الذكي من خلال خلق الانطباع الإيجابي، وإدارة الصورة الذهنية للعلامات التجارية. دعني أشرحها لك بطريقتك، إذا كان لديك مُنتج ما، لنقل مثلاً دينٌ جديد، يمكنك أن تكون عميلاً عندي لإقناع أكبر عدد من الناس بجدوى هذا المُنتج، وبث انطباع جيد عنه، وطبعاً هناك شرائح مستهدفة من العملاء ستصل نسبة الاستجابة لديها إلى ١٠٠٪ وهؤلاء سيكونون متعصبين للمُنتج، ومُخلصين له بشكلٍ قد يُسئ لهم أو للمُنتج أحياناً، وهنا أتدخل أنا أيضاً لإدارة الكوارث التي يتسببون فيها، ونسبة أخرى لا بأس بها سيكون اقتناعهم مشروطاً بمدى فائدة هذا المُنتج لهم ولأعمالهم وحياتهم، ودعني أخبرك، فيما يتعلق بأحدث مُنتجاتك الذي يُسمى الإسلام، فإنه سوف يستغرق الكثير من الوقت والجهد لعلاج الكوارث التي أحدثها زبائنك المتعصبون، هذا إذا وافقتَ على أن تكون عميلاً لمؤسستي، وتُوكِلَ لي مُهمةَ تحسين صورتك المشوهة في العالم.
وكعادتي عندما أحب استهدافَ عميلٍ جديد، فإنني أقضي بعض الوقت في دراسة وضعه الحالي، وبحث نقاط تميزه وضعفه، وذلك قادني للتفكر فيك والتفتيش عن أحوالك، صحيح، كيف حالك ياعزيزي الله؟ منذ ألف وأربعمائة سنة لم نسمع عنك ولم ترسل لنا حتى ساعي بريدك الموقر جبريل، أتمنى أنك بخير، والأسرة الكريمة من الملائكة والصديقين والشهداء والصالحين.
هل ترى كم أحبك، نعم لقد خصصتُ من أيامي أوقاتاً لأفكر فيك وفي أحوالك، الأمر الجديد الذي قد يهمك ويهم متابعيك، أنني اكتشفتُ من الذي خلقك، صَدِّق أو لا تُصدِّق، أنا أعرفُ من خلقك عزيزي الله.
إنه الخيالُ جلّ جلاله.
ففي الحقيقة، لقد اجتهدَ صانعوك على مر العصور في إعمال خيالهم من أجل التوصل إلى الفكرة الأنسب للسيطرة على خوف الناس، وإجابة أسئلتهم الكبرى، من نوعية ماذا بعد الموت، ما مصيرُ الإنسان، لماذا نحن هنا، من خلقَ الكون، إلخ من أسئلة الإنسان الكبرى، فقام عدد من الأذكياء والعباقرة على مر التاريخ حين لم يكن ثمة مختبرات علمية أو وكالة ناسا، قاموا باختراعك أنت وعدة ملايين من الآلهة الأخرى، إلا أن أشخاصاً أكثر ذكاءً وحكمة ركزوا على تصدير وهم الإله الواحد كنوع من اكتساب المزيد من المصداقية، لأن هذه الفكرة يمكنها أن تكون أكثر اتفاقاً مع ميل النفس الإنسانية إلى التركيز على تعظيم شئ ما، وخصِّه بكل الرجاء والأمل، فبدلاً من توزيع الأمل والتفاؤل والرجاء على عدة ملايين من الآلهة لا تدري أيهم يصدقُ معك وأيهم يخذلك، تم تركيز الأمنيات والدعوات لتصب كلها في شخصية واحدة، عبقرية، خارقة لكل المعايير البشرية – مواصفات إلهية – ولديها عدد كبير من الصفات المتناقضة التي تجيدها باحترافية كأن تكون شخصية في غاية الرحمة والعطف وفي غاية الغضب والجبروت معاً، لضمان أحداث الأمل الشديد إلى جوار الخوف الشديد، هي معادلة تهدفُ بالأساس لإحداث حيرةٍ أبدية يُعالجها الإنسانُ الكسول محدود الأفق بالبقاء على قيد الإيمان لأنه الأكثر راحة وإيجابية، ويُعالجها الإنسان الذكي المستقل بالبحث والتدقيق والتفكير العميق، وهي عملية أكثر صعوبة، فلو كان التفكيرُ سهلاً لما وجدنا القلة القليلة من الناس يتخذونه كمهنة.
بالطبع لا يمكن الوصول لهذه الدرجة من الكمال في التناقض إلا مع شخصية إلهية، وهذا سيجعل السوق رائجاً، كما يمكن احتكار المُنتج – الذي هو أنت – من قبل مجموعة رجال تتغير أسماؤهم عبر العصور، من كهنة، إلى صحابة، إلى علماء، إلى رهبان، إلخ، وهؤلاء فقط هم من يمكلون التعديل في مواصفاتك أو تطوير نسخ مختلفة منك، أو شرح آلية عملك.
والآن أتخيلُ الإعلان الترويجي الذي كان يمكن لصانعيك تقديمه لو أنك عزيزي الله اختراعٌ حديث، غالباً ستكون عناصر تسويقك تتراوح بين الدعاية لفكرة الطمأنينة الأبدية: إله واحد، بمواصفات خارقة، رحمنٌ ورحيم، لكنه شديد العقاب أيضاً، وذلك لزوم استبقاء الخوف وضمان السيطرة على النفوس المتعطشة للاطمئنان، والخائفة من المجهول، وللفوز بالانتخابات أيضاً، أوووه عزيزي الله، لكانت رسالة تسويقية عظيمة، وكنت لأتشرف شخصياً بالعمل على مثل هذه الحملة.
الحقيقة أن فكرة الغيب ياعزيزي فكرة صائبة تماماً، وأشهد بالعبقرية التسويقية لكلِّ من شارك في صناعتها، فهي استثمار عظيمٌ للشوقِ الأزلي داخل الإنسان للمعرفة والاستطلاع وملأ الفراغات النفسية والمناطق المظلمة في اللاوعي الإنساني التي تساهم في كثير من قرارات الإنسان المستقبلية.
أنت ياعزيزي الله مُجرد مُنتج فكري، خدمة للبشرية منذ قرون تحولت مع إساءة الاستخدام إلى لعنة، أنت وصفةٌ علاجيةٌ من أطباء نفسيين تاريخيين، أنت تبدأ مع كل ما هو مقدسٌ في نفس الإنسان الذي هو مقدسٌ في ذاته، لكنك تنتهي كأي ورمٍ سرطاني لعين إلى كلِّ ما هو خبيثٌ ومقيتٌ وميت، عندما يفقدُ هذا الكائنُ الإنسانيُّ المتطورُ طبيعياً قدرته على التحكمِ فيك، فتبدأ مرحلةُ تحكمك فيه، ليصبحَ ضعيفاً، عبداً مغلولاً ومُقيداً إلى فكرةٍ هو صانعها لكنه مع الوقت ومرور الأجيال نسيَ ذلك.
أنا عزيزي الله من الذين لا زالوا يذكرون، ويعرفون حقيقتك، ولن أنسى أبداً من فينا خلقَ الآخر، سُبحانك.
اترك تعليقاً