رسالةٌ إلى مالك

لا أتوقعُ يا صديقي أني رأيتكَ سوى في الصور. ولكني أعرفكَ جيداً. قرأتُ كثيراً مما كتبته في مدونتك. لم يؤلمني خبرُ اعتقالكَ بقدرِ ما آلمني أني لا أتحلى بمثل عزيمتكَ لمواصلةِ النضال بهذه الصورة، بتلك الابتسامة الهادئة، والإحساسِ المتزن، والشعور بالجدوى.

قد أختلفُ معكَ في طريقةِ ظهوركَ، وفي طريقةِ الأداء. وقد أختلف معكَ في الطريقة التي تُبينُ بها عن اعتراضك. صدّق أو لا تُصدق، قد أكون مقتنعاً بأفكارٍ أخرى، مؤمناً بإيمانٍ آخر، ولكن يؤلمني أني لا أعتقدُ مثلَ اعتقادكَ، ولا أتمثلُ بمثل أفكارك. أتعرفُ يا مالك، أكثر ما ينقصني حالياً هو الشعور بالجدوى.

قرأتُ أنهم اعتقلوكَ في السادس والعشرين من إبريل نيسان، أي أنه مضى عليك تقريباً خمسة عشر يوماً في الاعتقال الآن. لا أدري هل سيقرروا الإفراج عنكَ كما قالوا في البداية، أم أنهم سيوجهوا إليكَ تلك التهم الرديئة مُجدداً، ويعاودوا فعلَ القباحةِ بسجنكَ حتى حين. المهم أني في يوم اعتقالكَ كنتُ أقرأ روايةً لماركيز، تتحدثُ عن العزلة. بالتأكيد تعرفُ اسمها: مائة عامٍ من العزلة. وضعتها جانباً، حاولت أن أزيحَ عن ذهني المشاهد الأخيرة للجنرال أوريليانو بوينديا، قائد الثورة ورئيس الحزب الليبرالي العنيد، وعن مزاجه الثوري المعقد، وهدوئه الذي كأنه جبل من صمت، وأفكاره الموغلة في الغرابة، وصبره اللامتناهي على صنع السمكات الذهبية، وزخرفتها ، وحياكة أدق تفاصيلها، ثم صهرها على النار لإعادةِ صناعتها من جديد. وضعت كل هذا جانباً لأكتب لك رسالةً آمل أن تتمكن من قراءتها، لتعرفَ أن أحداً ما لم يكن يفكرُ في مجرد مواساتكَ، أو إظهار الانزعاج مما حدث لك. إنني على عكس ذلك، أحصي الإيجابيات المتعلقة بهذا الأمر. أفكرُ أنه لو لم يعتقلوكَ لما تسنت لي فرصةُ معرفتك جيداً. ولو لم يعتقلوكَ لما كان هناك المزيد من الحِراك. لقد أحدثتَ بعض التغيير يا رجل. وأعتقد أنه تغيرٌ إيجابي. إنني فقط آمل ألا تنقضي مناسبة اعتقالكَ عبثاً دونما صرامةٍ حقيقيةٍ في الاعتراض، دونَ أن يشعرَ القومُ بكارثيةِ ما يفعلوه. آملُ ألا يبقى الوضع على ما هو عليه قبل اعتقالك. أتمنى أن تعود إلينا فتجد العالم مكاناً أفضلَ مما تركته، ولو بمقدارِ أمل.

هذا، وبلغ تحياتي لرفاقكَ في السجن. وذكرهم بتلك المقولة التي يقولها الألماني فرانز كافكا: وحتى لو لم يأتِ الخلاص، فإنني أريدُ أن أكونَ جديراً به في كل لحظة.


Comments

رد واحد على “رسالةٌ إلى مالك”

  1. […] بدأتْ انطلاقةُ المدونة الفعلية في ذلك اليوم الذي اعتُقِلَ فيهِ عددٌ من المدونينَ والناشطينَ في الإصلاح بسببِ تضامنهم مع مُطالبات استقلالِ القضاء المصري. وجدتني أكتبُ رسالةً لمالك، ثم أخرى لعلاء إثرَ اعتقالهما، واحتجتُ إلى أن أنشرَ الرسالتين، فلم أجد أفضلَ من بدء التدوين. […]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *