وكَم ذَا بِمِصْرَ مِنَ الْمُضْحِكَاتِ

الشعرُ الصادقُ لا يلتمسُ العذرَ ليخالف الحقيقة أياً يكن الموضوع، وأياً تكن القضية. والمتنبي – على كثرةِ مجاملته لسيفِ الدولةِ ومبالغته في مدحه- إلا أنه لا يجامل إلا بما هو حقيقي.
أنتَ كريم، إذن أنت كالبحرِ. أنتَ شجاع، إذن أنتَ نِدٌ للأسد، وأنتَ لوحدكَ تساوي جيشاً كاملاً. لكن لا تتوقع منه أن تكونَ جباناً ويمدَحُكَ بالشجاعةِ، فهذا ما لا يمكنُ أن يقترفَهُ شاعرٌ كالمتنبي. سيمدَحُكَ بما فِيكَ، إما لأنه يُحبُّكَ، أو لأنك سَتجزلُ له العَطاء، لكنَّ مبدأه في حقيقةِ ما يَقول واضحٌ وصَريح.

أما إذا كانَ يكرهك، فإنك ستتذوقُ سياط كلماتِهِ الساخرة، التي توجعكَ في أعماقك، لأنها ببساطةٍ تواجهكَ بحقيقتكَ التي تُخفِيها ولا تريد الاعتراف بها. وهو لا يكذب أيضاً بشأن صفاتك السيئة، فهو مثلما يرى أفضل ما فيك ويمدحك به، فيمكنه أن يرى أسوء ما فيك حقيقةً ويذمكَ به.

لذلك لم يكن كاذباً أو مُبالغاً أو ناقماً على كافور عندما قال:

وكَم ذا بِمصرَ من الْمُضحكاتِ …. ولكنه ضَحِكٌ كالبُكا

بعد أن سلقوا الدستور

سمعتُ عن الدكتور محمود أباظة رئيس حزب الوفد، في ملتقى شركاء التنمية الأخير 20/مارس/2007 ، مَقولةً حفظتها عنه، وهي:

” السائد والمعروف أن من يكسب في الانتخابات، يتولى الحكم، بينما في مصر، ومنذ البداية، فإن من يتولى الحكم، هو الذي يكسب في الانتخابات”.

قالت الدكتورة سعاد الشرقاوي في المؤتمر ذاته، أن فقرةً صغيرةً في نهايةِ الدستور تنصُّ على أن مصرَ لا تنسحبُ أبداً من أي اتفاقيةٍ أو معاهدةٍ وقعت عليها، ولا يمكن لها أن تخرقها، وهي قد وقعت على معاهداتٍ كثيرة، من بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي بموجبه يكفل لأي إنسان الحق في الحرية، وألا يُعتقل، أو يُمتهن، أو يُعتدى على حرماته وخصوصياته، وهي أبسط البدهيات التي يمكن تصورها عن حقوقِ إنسانٍ ما. و لكن بهذه التعديلات فإن الدستور يُناقض أو يخونُ نفسه، حيث يُلغي هذه الحقوق بقانون الإرهاب، ويوجد لدى ألف بياناً لذلك التناقض.

وبغضِ النظرِ عن الهدف الحقيقي الذي وضعت هذه الفقرة الختامية لأجله، فكما يقولُ صديقٌ أن الهدف من طبخِ هذه الفقرة في الدستور هو حظر الانسحاب من معاهداتٍ واتفاقياتٍ مثل كامب ديفيد، أو معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ربما لم يكن بأيديهم وضع مثل هذه الفقرة، وإنما تم التوصيةُ عليها من الأرباب، لذلك ربما لم يفطنوا للموقفِ المضحكِ الذي ورطوا أنفسهم فيه.

***

أقول لصديقةٍ : نصُّ الدستور يُناقضُ خاتمته.
تقولُ الصديقةٌ، هه.. الدستور يحتاج إلى ترقيعٍ من كثرةِ الخروم التي يمكن الدخول منها كتدليلٍ على التناقض. فليهنأ القانونيون، وليناموا، وليمارسوا الجنس، وليشربوا الذل والخزي مع أول نسماتِ الصباح القادم.

وليحيا حسني مُبارك، وتحيا أحلامه الرشيدة، وأقواله المجيدة، وسلم لي على الدستور، والقانون، والحرية، والديموقراطية، وطريقة القوائم الانتخابية، والملوخية، وكل الهلس السياسي الذي قيل على شرف القضية.

نكتفي بهذا القدر من المضحكات، وأحسن الله عزاءك أيها الشعب المصري العبيط. وأحسن الله لذكرى أبي الطيب الوغد الشاعر الذي لم يُبقِ حِكمةً إلا وسبقنا إلى قولها بما هو أفصح.

تَباً.. والله أعلم !


Comments

ردان على “وكَم ذَا بِمِصْرَ مِنَ الْمُضْحِكَاتِ”

  1. نسائها لُعب .. أرضها ذهب ..رجالها عبيد لمن غلب

  2. لا زلت معجبًا بكتابتـك … بفكر آآآخذ المقال ده عندي ، عن طريق السطو المسلح …

    تحيااااااااااااااااتي ، وياللا بقى ، عاوزين نفرح بيـك

اترك رداً على أنا ، بقى إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *