بعدَ غيابٍ دامَ ردحاً من الزمن، بادرني الشاعر الصديق دخيل الحارثي بقصيدةٍ يقول فيها:
تعالَ، فبيني وبينك إلفٌ
وبيني وبينكَ أيامنا الماضية
…
لقد كان حَاضرُنَا
يزدهي بالأرومةِ يا صاحبي،
ما دهاك؟
وماذا تراك تقولُ
وقد كنت أحضنك الأمسَ
بين الشغافِ، فلما ترجَّلَ حُلمِي
رأيتك يا آيةَ الله
في خلقهِ مثلَ زهرٍ زَهى
حيث لا متنهى، سوفَ يَبقَى
على رغم قصف الليالي
كما لم يكن أو كما جاء
لن ينتهي ..أيهذا الصديق الحبيب
تعالَ، فأنتَ الضياءُ لعيني
وزنبقة بين عينيك
تَهدي حيارى فؤادي
فلا يتخثرُ يومي
ولا تتكسرُ أحلامي الآتيةتعالَ، أعيذك بالأمسِ، والشمسِ،
إلا جعلتك بين الحنايا
كبيراً كهمِّ الحياة.
كأكذوبةٍ في فم الطفل
يمضغ حلم التحررِ، حلواً
على نهر دجلةَ
أو فوق نهر الفراتتعال حبيبي، تعال صديقي
ولا تبتئس، حيث لا حلم تجلوه أيامنا
سرقوا القدسَ أو أطفأوا شمس بغدادَ
هذا أنا حيثُ أنتَ
ولن نبرح الأرضَ
حتى تظلل أفياءنا ساقية
فكتبتُ إليهِ بعدَ عناءٍ ومُكابدةٍ للغربةِ والوحدة، والجفاف الإنساني:
لعلك تلاحظُ أني فقدتُ الإيقاع. لقد كان ذلك منذ زمنٍ ليس بالبعيد. ولم يعد في استمرارية كلامي ما يُتيحُ الشعرَ للآخرين. لذا سأحاول تجنب الوقوع في الفخ، وسأنَحينِي جانباً، وأستفيدُ من الأصدقاء أمثالك. فمثلما ترى، لقد أصبحتُ عصياً بعض الشئ على التكشف. وعلى التأثر.
أصبحتُ متجاوزاً العبورَ إلى التلاشي. كما أن أكذوباتي لم تنل إقناعاً لدى من كذبتُ عليهم كطفل، فحملوني مسؤولية ذلكَ كرجل.
أظنني أتحملُ أفظع الخيبات الذاتية التي صادفتني في حياتي. صديقي. شكراً لتذكركَ إيايَ حينَ ترجل حلمك. سأحلمُ من جديدٍ لأجلك. رغمَ الأيام. ألن تفعلَ لأجلي؟
تعلم.. لألقي الحجارة من يدي، وحتى تُظلل أفياءنا ساقية.
***
ها قد أتيتُ صديقي،
وقبلَ أن آتي مضيتُ.
تأخرَ صمتي كثيراً عن موعدِ الصوتِ،
تعلمتُ كيفَ أكونُ وليداً
في قماطٍ من الماضي.
لم أعد أحداً تماماً.
فدعني قليلاً صديقي،
أرَجِّي المشاعرَ أن تستفيق.
ودعني كثيراً ،
أعيدُ صياغةَ وجهي بما يتناسبُ
مع معطياتِ الحداثةِ
أو واجباتِ الصداقةِ.
أتيتُ إليكَ، تعالَ إليََّ،
ودعني أمارسُ مزجَ العناصر
وفقَ مزاجِ التكون.
ودعني أمارسُ نزقَ
كتابةِ غيري
وفقَ التلبسِ بالحلمِ.
أتيتكَ أحملُ همَّ ثلاث سنين.
وبعضَ المعاني عن الفقدِ والموتِ،
فلا تترفق بقلبي،
وتتلو عليَّ حديثاً جميلاً كقلبك،
وقل لي:
إذا لم أكن حياً ولا ميتاً،
فماذا أنا ؟
اترك تعليقاً