عزيزي الله
كنتُ أخافُ منك، والآن وجدتك، فذهبَ الخوف، لأني عرفت حقًا من أنت، والمعرفة تذهب الخوف، والعلم نور يضئ عتمة الجهل.
“فإيايَ فارهبون”
أتعلمُ أن هذه الآية تحديداً، كانت سبباً من أسبابِ كرهي لك، كيفَ أحبكَ وأنا أخافُ منك؟
اسأل أي طفلة صغيرةٍ، الحبُّ حريةٌ إن تلوثت بالخوفِ فسدَ معناها. أنا أكره أبي أيضًا، لأني أخاف منه، هو أراد لحضوره بيننا أن يكون خوفًا، لكنه يعطيه اسمًا مستعارًا وهو الاحترام، فكرهته مرتين، مرة لأجل خوفي منه، ومرة لأجل التسمية الزائفة.
عندما كنتُ صغيراً، وأستمع لهذه الآية “فإياي فارهبون” كنتُ أخاف فعلاً، أسمعها بصوتِ وحشٍ جبارٍ فاسد الوجه، تنز من أنفه سوائل خضراء كريهة، ولديه فتق في الجبهة ومنظرٌ كريه مُنفر.
وكان هاجسُ الخوف يزدادُ عند استحضار عذابك وآيات تهديدك ووعيدك لغير المؤمنين بك، مع أنني في حصة التوحيد في مدرستي البائسة تلك، كان المُدرس يشرحُ لنا مفهوم الخوف والرجاء بشكلٍ أشبه بالمنطق، وكأنه من الضروري أن يجتمع هذان الشعوران تجاهك، وكأن من البديهي لترضى علينا أن نخاف منك ونرجوك في نفس الوقت، أن نلتمس رحمتك من بين كل هذا الرعب، أن نأمل فقط بأنك لن يتغير مزاجك أو تحدث لك نوبة غضبٍ حتى يقوم يوم القيامة، لأننا في النهاية سندخل الجنة برحمتك فقط لا بأعمالنا.
اللعنة، نخافُ منك ونرجوك وأنت المطلق في كل شئ؟
عقلي لم يستطع الجمع بين هذين النقيضين معك أنت تحديداً يا ألله، لماذا؟
سأخبرك.
أتعرفُ لو كان المدرسُ يتحدثُ عن مدير المدرسة، أو مُدرب التايكوندو، أو مجرمٍ سابق قضى مدة سجنه وخرج ليسكن بجوار بيتنا، سيكون مفهومًا لي أن أخاف منهم، لكن أتأمل في ذات الوقت أنهم لن يؤذوني، لماذا؟ لأن هناك قانون، هناك من سيحميني إن أرادوا بي سوءً، أيضاً قد أستطيع تلقينهم درساً بتوجيه لكمةٍ قوية إلى مناطقهم الحساسة، أو عضةٍ في الأذن لا تنتهي إلا وفمي ملئ بالدم وقطعة لحم لزجة، أستطيع حمل سكين صغيرة من المطبخ وطعنه الحقير في عينيه.
أسوأ كوابيسي كان لديَّ دائماً تصورٌ للخروج منها، للتغلب على الخوف وتجاوز المحنة.
أما أنت، فما قانونك؟ مزاجك الإلهي؟ من يحميني منك وأنت لا أحد فوقك، لا قانون إلا ما وضعته لنفسك؟
كيف أوجه لك لكمة تشل حركتك لثانية إذا ما أردتَ بي سوءً؟ هل أصلاً أستطيعُ ذلك؟
بمن أستغيث إذا أردت أن تلقيني في فرنك الكبير؟
لا توجدُ طريقة للأسف للتحايل على هواجسي، حتى إن آمنتُ وأصبحتُ مؤمنًا مثاليًا كما تريدُ أنت، فإن موظفك الذي أرسلته إلينا قال أنه لن يدخل أحدٌ الجنة بأعماله، وأن أمزجتك قابلة للتغير بشكل كبير، ولذلك فقد كان يدعو دائماً أن تثبت قلبه على دينك
كي ينجو من غدرك به، ومكرك الذي أعلنتَ عنه بكل فخر. ” فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون”.
لقد دبَّ الخوفُ فيني منذ ذلك الوقت، حتى أفضل الاحتمالات بأن يلتزم الإنسانُ بكل تعاليمك، لم تكن كافية لينجو من الخوف منك، العدلُ المزعوم لم يكن كافياً، لأن عدلك هذا أراه ماثلاً أمامي في أفريقيا وفيتنام والكوارث ونسبة الفقر والأمراض وبقية المشاكل التي تعمل الأمم المتحدة – لا أنت – على حلها.
هل هذا هو عدلك الذي تريدنا أن نقتنع به؟ لذا لا مفر لي من التفكير فيك بمنطق بشري، لم أستطع تخيل ذاتك الإلهية مشوهة وناقصة لهذا الحد.
تخيل يا ألله لو أنك بشري مثلنا، وكنت تعيش في دولةٍ بلا قانون، دولة مثل باكستان، أو إيران، أو مصر، أو السعودية، أو السودان، حيث مصيرك فيها مرتبط بمزاج أحد ما أنت لا تعرفه حقًا، ومن غير المضمون نجاتك من الاعتقال والتعذيب حتى لو التزمت بالقانون المُعلن، فهذا الأمر يرجعُ لفضيلة الشيخ أو آية الله أو سعادة الباشا، فهم الذي يقررون إذا ما كنت مواطناً صالحاً أم لا، وما إذا كانوا سيتركونك تعيشُ في سلامٍ وأمانٍ أم سيعتقلونك ويحاكمونك محاكمة ظالمة ويقتلونك أو يجلدونك، تماماً كما فعلوا معي لأنني ضربت عسكري الهيئة حينما أراد إجباري على الركوب في الجيمس.
نحن نقول عن مثل هذه الدول أنها ظالمة، ولا تحترمُ حقوق الإنسان، ولذا نقول أننا نعيش في دول متخلفة، لكن يبدو لي أن مملكة السماء تسيرُ على نفس النهج غير المضمون، فمهما التزمت بالقانون، أو مهما كنت مؤمناً صالحاً، فلا ضمانة لأي شئ.
آخ ياعزيزي الله، ذلك الخوف المقيت عاش معي كثيرًا، هذا الرعب الذي عشتُ فيه عندما كنت أسمع موسيقى، أو آكل في نهار رمضان بسبب شدة الجوع، الالتزام المُضني بممارسة التمارين من أجلك خمس مراتٍ في اليوم، والخوف المُهلك الذي كنت أشعره لو فاتتني مرة منهم، أو تكاسلت بسبب البرد أو حتى قلة مزاجي وقتها، ذلك الخوفُ قادني إليك، بحثتُ عنك إلى أن وجدتك، في عالم الوهم الفسيح، وعرفتُ حقاً: من أنت، وسأكتب لك رسالة أخرى عن اكتشافاتي في هذا الشأن.
من عبدك سابقًا م-و، وندك حاليًا، الذي لم يعد يخاف منك.
تحياتي واحترامي
اترك تعليقاً